أخبار الموقع

" ثلاثون شمعة وقلبي "

                                              





 مستلقية على الأريكة الحمراء المجاورة لنافذة الغرفة ، ممسكة بأطراف الستائرالمنسدلة  .

أحاول الفصل بين ألوان القمااش المختلفة لمرات عديدة ، الأصفر مع الأصفر والأبيض مع مايشابهه والأسود كذلك،

  يأخذ فصلهم وقتا يتطلب تركيزي الكامل فيه ، أمسك بحديقة من الألوان على كفي  

أقربهم من ناظري ، أتباهى بهم   ثم أكف عن ذلك .

  أعود  لأمرر يدي بخفة داخل الخيوط المتدلية من طرف الستارة ، تتخلل الخيوط بين أصابعي   تارة أحاول قطعها وتارة  أحاول ربطها 

على شكل عقدة دائرية  كتلك العقد الموجودة بداخلي ،  أعبث بتلك الخيوط أحركها بشكل عشوائي ،

 أختبر شدة الخيط بأن أشده أكثر من اللازم  أشده لكل  الاتجهات الممكنه ،  ألعق بعض الخيوط  أحركها داخل فمي

في حركة دائريه هي الأخرى  ثم أبتلعها .

أعيد وضع يدي أسفل عنقي ، أقضم أصابعي يدي  في حركة سريعة غير آبهه بما يقوله الطبيب أو يفعله .

يرتشف الطبيب  من كأس الشاي يمسح شاربه بأطراف المنديل ثم  يشير الى الستارة    :

" أفكر جديا في ازالتها "

  ينتظر اجابتي لكني لا أجيبه ، أوزع ناظري على كامل الغرفة ذات الحوائط الخضراء ، أربعة حوائط متباعدة تكون شكلا مستطيلا .

  على الحائط المقابل للأريكة  مكتبة خشبية كبيرة  تملئ الحائط كاملا   ، مابين الرف  والآخر مسافة سفر .

 يتخللها  الغبار وبعض الحشرات التي تأكل الورق ، نصفها ممتلئ بكتب كبيرة مكتوبة بلغات أجنبية مختلفة   ونصفها الآخر فارغ .

أنهض من على الأريكة ، أحصي عدد الخطوات التي أقطعها ،   أقف أمام المكتبة أمرر ي يدي على أغلفة الكتب 

أقرأ عناوين الكتب بسرعة  وبصوت مسموع  " عوالم المحيط" ، "نشأة البحار والمحيطات " 

أمرر يدي حول احدى هذه الكتب الزرقاء أمسك كتاب متوسط الحجم نصفه أزرق ونصفه الآخر أبيض

  "البحر والمحيط " أهمس بفضول

  أقلب صفحاته أغلق الكتاب  لأقرأ غلافه الخارجي أتمتم بالأحرف كطفل في الخامسة  أحاول أن أفهم لكن لاجدوى 

أهمس للطبيب بأن لغتي الفرنسية ضعيفة .

أقف على أصابع قدمي أمد يدي لأمسك كتابا آخر قد  جذبني غلافه الغير مفهوم خطوط متقاطعة  غير مفهومة كل خمسة خطوط تتقاطع تشكل دائرة .

 أشعر بثقله على يدي أنفض الغبار عنه أعيده لأمسك آخر ،

 غلاف بني تتوسطه فتاة  لا تتخيل بأن ستراها يوما على أغلفة الكتب ،

كانت  ترتدي فستان  متطاير يكشف عن نصف ساقها  الفستان  يحتوي درجات مختلفة من اللون الأصفر ،

شعرها مبعثر تنتعل حذاء أحمر طويل تتطاير أربطته  هي الأخرى ، عيناها جاحظتان وفمها نصف مفتوح وكأنها تريد أن تتحدث .

 أشيرالى الفتاة أقول بصوت ممتعظ :

"تصيبني الفتاة بالخوف "

أقرأ أسمه بصوت عال " الأنا ووالهو " أعيد تكرار الأسم عدة مرات ، أمرر نظري على أرفف المكتبة ألمح نسخة أخرى منه 

يخبرني من قبل أن أسأل:

" واحدة باالغة الأنجليزية والأخرى بالألمانية  "


أنتقل الى مكتب الطبيب  الأزرق الطويل ،أكواب القهوة المختلفة الألوان والأشكال على جانب المكتب ،

اللوحة التي تعلو كرسية ، لوحة لأمواج البحر وهي تنهض  والسماء من خلفها صافية 

أتأمل اللوحة جيدا ، طريقة الرسم المتقنة لتعرجات الأمواج  لسقوط أشعة الشمس الحارقة على البحر ،

أتأمل وجه الطبيب شارب أشقر كثيف عينان ناعستان  مليئتان بالزرقة،

 شفتان صغيرتان كحبات الكرز يرتدي قميصا أبيض ليظهر به لون عيناه ،

 ملامحه تذكرني دائما  بهدوء الريف  الأوروبي ، بأشجار الخريف التي مازالت تسقط على أرصفة الشارع 

يحمل بيده غيلونا غير مشتغل ينظر الي يقول شيء بصوت خافت لكنني لا أسمعه .


 أمشي وأنقل نظري على أثاث الغرفة أعيد ترتيب الأثاث في مخيلتي ، بل أعيد تأثيث الغرفة وتغيير 

لون الدهان الباهت ، أفكر في شكل المكتب الذي أريد ، لون المكتبة ، أقمشة الستائر ، أماكن الانارة 

أتصفح الكاتالوج الذي في مخيلتي أضع علامة  مميزة تحت الأثاث الذي أريد ، ألوان السيراميك وأبعاده ،

أفكر في النبتة التي سأقتنيها هل ستكون البامبو أم الصبار أشيرباصبعي الى الزاوية التي أريد أن أضعها فيها .


يأتيني صوته من بعيد :

"يبدو بأنك لا تريدين الحديث اليوم " 

أقطع خطواتي تابعة صوته أجيبه في حزن :

" غدا .. عيد ميلاده الثلاثون "

يرمقني بنظرة مطوله ثم يضع الغيلون على مكتبه يمسد شعره الأشقر  يرتدي النظارة يخبرني :

"سنتبع اليوم طريقة علاج جديدة "

يحرك يده بخفة يفتح الدرج الأول من مكتبه يخرج قصاصة صفراء من الورق يضعها أمامي يشير الى المقعد الخشبي يخبرني بأن أجلس 

يناولني قلما أزرق يخبرني :

"سنمارس الكتابة اليوم لكي ننجو "

أشير له بأنني لا أفهم مقصده أكرر كلماته السابقة "الكتابة لكي ننجو ؟" 

يضع القلم على راحة يدي يطلب مني أن أكتب له وكأنها الرسالة الأخيرة التي ستصله مني 

أرمي القلم على الطاولة فيصدر صوتا  أتمتم بصوت عالي :

"لقد توقفت عن كتابة الرسائل له منذ مدة ، حتى أنني كنت قد حرقت كل رسائله القديمة "

يمسك كوب الشاي لكنه لايرتشف منه يكرر ماقاله :

"الرسالة الأخيرة .. لكي ننجو "

أمسك القلم أضع الورقة الصفراء أمامي ثم أبدأ في الكتابة .


- مرحبا.

أعلم بأني لم أكتب لك منذ  تلك الرسالة المشؤومة  في 19 آب 2019 .

لا أذكر كل ماكتبت فيها كل ما أذكره بأني قد قلت لك بأني لم أنساك وأن أشيائي التي أحب تركتني ومضت

وأن صرح أحلامي الشاهق ماكان سوى وهما ، و محاولاتي في العيش والفرح وحتى محاولاتي  للوقوع في الحب  مرة أخرى 

وكل محاولاتي الأخرى   ماكانت سوى  معارك فاشلة .

حسنا 

أريد أن أخبرك بأني قطعت  شوطا طويلا في نسيانك وأن موسيقى عبادي لم تعد تذكرني بك 

حتى الأريكة السوداء التي كنت قد قبلتك بها تسعة وتسعون مرة لم أتردد في رميها .

 وأن معاركي الفاشلة التي خسرتها كان قد تبين بأني كسبت الحرب بعدها .

 صرح أحلامي الشاهق أعدت بنائه بمفردي هذه المرة وضعت كل حجر فيه بكلتا يدي حتى تشققت أظافري .

وأن حديقتي التي كنت قد أهملتها ها قد عات مزهرة ، لم تعد معاطفي زرقاء وأحذيتي سوداء ولم أعد أرتدي وشاحك الأحمر على عجل

حتى اني  لم أعد اخاف البحر والمباني الشاهقة ، أسكن الآن في بناية من خمسون طابقا وشقتي هي الشقة الأخيرة ،

كنت قد سافرت الصيف الماضي على متن سفينة لمدة لاتقل عن أسبوعان .

يقطع سيل أحرفي الطبيب  يمد يده بكوب شاي ثم يسألني :

"هل انت بخير "

أهز رأسي بنعم لأطلب منه عدة ورقات أخريات ، يعطيني اياها على عجل .


أعود الى ورقي الى ظهر الورقة الصفراء وأكتب .

لم أعد أذكرك كثيرا ، صوتك ، تفاصيل وجهك الصغيرة ، كعكتك  أو حتى مشروبك المفضل ،

حتى أني لم أعد أذكرك مع أصدقائي كما أعتدت أن أفعل 

يخبرني طبيبي بأن ممارسة الكتابة كعلاج يؤدي نتائج جيدة ، وأنه قد أثبت الطب ذلك  ،وأني يجب أن أكتب هذه الرسالة  لكي أنجو 

"يجب أن تكون هذه الرسالة بمثابة الوداع الأخير"يقول  ،الوداع الذي لم أحصل عليه 

 أن أكتب مشاعري ، هذياني وكل ما أفكر به هنا  ،ربما لن تصلك رسالتي  لكنني سأنجو .

سأنجو من رحلة حبك التي أخذتني الى موانئ بعيدة ومخيفة ، من نرجسيتك وتعاليك الدائم على قلبي .

وأنك لم تعتن بقلبي جيدا كما وعدت سابقا .

سأهرب لأنجو

 سأقطع مرساة سفينتك لأسمح بالتيار أن يأخذني أينما يشاء ،وأكتشف الجزر  سأبرز أجنحتي للمرة الأولى وأحلق كطائر 

سأداعب الغيوم وأغني للنجوم سأبكي قليلاعلى أنغام صوت الشهب  لتمطر السماء وتروي بعض الأراض القاحلة 

كلما زاد بكائي زاد نبت الشجر ، لأعلم بان كل قطرات المطر ليست سوى دموع طائر ؟ 

سأغادر العش الوهمي الذي صنعته لي في عجل ولن ألتفت لما تركت ورائي وسأنسى الطريق اليه 

لن أعود  ثانية  لأن الطيور لا تعود للعش مجددا .

سأحرق رسائلك هذه المرة ولن أتردد كالسابق ، سأبصق على أظرفها البيضاء التي مازالت تحمل أسمك بخط متباهي 

في المنتصف ، سأرمي القطعة النقدية التي كنت قد أهديتني اياها مرة وأنت عائد من سفر ، بطاقات المعايدة الصغيرة 

اللوحة التي رسمت بها مكان لقائنا الدائم ، تلك الغرفه التي تحوي المكتب الخشبي ،الأريكة السوداء ، الطاولة التي في منتصف الغرفة التي أوقعتها مرارا ،

 خريطة العالم التي كانت تغطي الحائط ، سأمزق هذه اللوحة الى أنصاف متساوية  وأسمح لها بالطيران من النافذة.


أمسح عرق جبيني بيدي ، أرتشف من كوب الشاي وأعود الى الورقة الصفراء لأكتب .

غدا عيد ميلادك الثلاثون أعلم بأنك ستقضيه وحيدا في مكتبك وأنت ترتشف فنجان قهوة مره ، وأنه لن يهاتفك أحد 

ربما حتى لن تلاحظ بأنه يوم مولدك ، حتى تصل الى المنزل لتجد والدتك قد أعدت كعكة بيضاء  لتفاجئك وانت تدخل المنزل

لتجد الكعكة مضيئة بثلاثين شمعة وتخبرك بصوت فرح بأن لا تنسى أن تتمنى أمنية قبل أن تنفث .

لذا وانت تمسك الكعكة في يدك تهم بأن تنفث على الشمع لينطفئ أرجوك حينها 

بأن تطفئ الثلاثون شمعة وقلبي حتى يتسنى لحبك أن ينطفئ بداخلي تماما .

أرجوك حتى من قبل أن تتمنى أمنيتك أن تنفث بقوة حتى لايبقى فتيل مشتعل .


أطبق الورقات الثلاث أضعها أمام  ناظري الطبيب أخبره بصوت مرهق بأني أريد أن أنجو 

أرتدي حذائي الأحمر أتأمل الحائط الأخضر المتهالك ،  الفتاة المخيفة ذات الحذاء الأحمر 

أعد خطواتي الى الباب ، أحاول أن أفتحه لكن  قبل أن أفتحه سمعت الغليون يشتعل .








No comments