أخبار الموقع

خمسة وعشرين عام ضاعت وسط الزحام

 



إلى الفتاة التي كنت عليها قبل سبع سنوات من الآن ، عندما أنهيت مرحلة الثانوية ،وبدأت في وضع قائمة أحلامي ومخططاتي على ورق دفترٍ زهري كانت قد أهدتني إياه صديقتي .

 تلك الفتاة التي كانت تصدح فرحاً وتحاول أن تمسك السماء بأطراف أصابعها وتقول 

" في سن الخامسة والعشرين سأكون كبيرة بما يكفي حتى أكون أنا، سأقطع شوطا كبيرا في ماراثون أحلامي ،سأجابه قمم الجبال ضخامة وطولا ، سأكون قيمة مضافة لهذا العالم الشاسع وحينها سأكون امرأة مستقلة وغير مهزومة .

في سن الخامسة والعشرين حتماً سأتوقف عن فعل الحماقات وقول الترهات لن أبدو  ساذجة هكذا ، لن يوقفني أحد حتى أضواء الإشارة الحمراء ، سأرقص تحت أضواء النجوم لن آبه بما يقول العالم لأني حينها في سن الخامسة والعشرين سأكون وجدت فرصتي حتى أكون انا بعيدا عن سقف هذا العالم "


لكنني الآن لا أستطيع أن أقول بأني بلغت هذا العدد من السنين لأني ببساطه لا أذكره، لا أذكر حتى بأني قد عرجت عليه ،لم أشعر بقدماي وهي تهبط على أرضها.

لم أشعر بسقوط أحلامي  لم أشهد تدفق إحساس الدهشة الذي  كان يملئني .

أستطيع الآن القول بأني بلغت من العمر عددا لا أعرفه لأن السنين كالهُلام كلما حاولت إمساكها تهرب من بين أصابعي ، 


إلى الفتاة التي كنت عليها وأنا أكتب تلك الورقة ، إلى تلك البهجة التي كانت تغمرني بعد إتمامي لمرحلة الثانوية مُنتظرة شتى بوابات دنيا الأحلام أن تُسقط أقفالها وترحب بي ، 

إلى من كانت تظن بان العمر يكفي لفعل كل الأشياء التي تحبها، 

أريد أن أخبرها باننا خدعنا ،ما عادت سنين العمر طويلة كما كنّا نشعر في طفولتنا، كل الأعمار التي وسمت على جسدي لم أعشها ، متى وكيف تجاوزتها وأنا لم أشعر بها !.

عجلة الزمن تركض بسرعة فائقة ولا أحد من البشر يستطيع مجاراتها ، كل هذه الأبواب المؤصدة لا طاقة لي في أن أفتحها ، لقد خدعتني السنين وصرح الأحلام الشاهقة .

لم أعد اعرف من انا وماذا أريد كل الأشياء لم تعد واضحة، ما زلت أحاول أن أعيش بعيدا عن سقف هذا العالم المظلم ولكن كل محاولاتي فاشلة ،

كنت أظن بأني سأصبح امرأة قوية ناضجة لكني الآن لست سوى طفلة أكثر سذاجة

مما كنت عليه وأنا أكتب تلك القائمة .

ما زلت أرتكب وبكثرة أخطاء تافهة ومن المفترض أن عمري يوحي بالحكمة و القرارات  الناضجة وانا لا أستطيع اتخاذها .

انا لا استطيع حتى ان أمسك أفكاري التي تزداد تدفقا وسيولة ، لا أستطيع مواجهة الحياة المزدوجة التي أعيشها ، كوني أشعر بأني شخصين في آن واحد

ولم أتوصل إلى قرار أقول فيه أي الشخصين أنا ،

كلا الشخصين من أقطاب متنافرة لا اعلم كيف جمعتها ، أحدهما جليد ولآخر ناراً

حارقة تأكل كل ما تجده في طريقها ، 

الأول يبحث عن إجابات مقنعة والآخر يعد ضحايا الحرائق ، أنا احارب نفسي من الداخل والعالم يضع قدما فوق الأخرى  يطالبني في هذا السن أن أكون قد وصلت إلى خط النهاية وفي كلتا يداي لوحة مرفوعة تحمل أحلامي المنجزة .


لكنني الآن وأنا في سن الخامسة والعشرين وقبل أشواط كثيرة من خط النهاية 

أتخفف من كم الآمال الهائل المعلق على كتفي ، وأرفع راية بيضاء كبيرة توحي بعدم تقبلي لخدعة الأعمار التي وضعت بها .

الراية البيضاء ليست  بالضرورة استسلاما ربما تكون طلبا للراحة في سباق حياة لا يعترف بخط النهاية .

سأذهب الآن لأطفئ شمعة عيد الميلاد الكاذبة و أصرخ في وجه الجميع "لقد خُدعنا" 

  


    

No comments