أخبار الموقع

لاتوجد طريقة جيدة لقول وداعاً

 

Cairo international Air port



هذه البوابة شبيهه ببوابات الثقب الأسود التي تبتلع الأشخاص ولا تُعيدهم إلي  أبداً ، أو أنها إحدى البوابات المخيفة التي تظهر دائماً في بعض أفلام الرعب المبتذلة لتصحب  بطل القصة إلى أبعاد ودوائر أخرى .

هذه البوابات ما إن يدخل  إليها أحداً حاملاُ معه عربة من الحديد يجرها أمامه ، بين كل ثانية وأخرى تهتز صورته وتصبح أقل وضوحاً.

للمرات التي لم أعد أحصيها أودع شخصاً آخر ، أراه ممسكاً حقائبه بطريقة تخبرني دون تكلف بأن هذا الشخص لن يعود أبداً.
في طفولتي عندما رأيت هذه الأبواب أول مرة لم أكن أعلم بأنها ستصيبني بلعنة تجعلني أعود إليها في كل مرة مقدمة لها شخصاً مختلفاً عن سابقة ، أعتدت الوقوف على عتبات هذه الأبواب صامته ، أفكر بأنه ربما الشخص الذي ينوي الذهاب سيتراجع في اللحظة الأخيرة عن فكرته ، وانه ربما ربما ستتخلى هذه البوابات الضوئية عن فكرة ابتلاعها لهم و وستعيدهم  إلي .

جمعينا هنا نعيد تكرار نفس السيناريو ، نترجل من السيارة ، نلقي نظرة خاطفة على أضواء النيون الزرقاء التي تحيط باسم الصالة  نتريث قليلاً قبل أن نذهب ونفتح الصندوق الخلفي للعربة حتى نخرج حقائب الشخص الذي سيسافر من بيننا ، 
مازلنا نحاول أن نضحك او أن نعيد تكرار بعض الدعابات الساذجة التي اعتدنا على قولها دائماً .
نلتقط بعض الصور التذكارية ونحن نعلم بأن مثل هذه اللقطات ستبكينا في وقت آخر.
 الناس هنا حولنا  ماهرون في الهرب  من الوداع لا احد يحتضن الآخر إلا على عجل لا احد يبكي ليملئ الأرض ماء ، وكأنهم بالقبلات السريعة الغير محسوسة يحاولون إلغاء لحظات الوداع الحارقة .

في كل مرة أعود لنفس هذا المكان لأودع شخصاً آخر تتساقط مني بعض الأجزاء الصغيرة التي لا تُرى بالعين المجردة ، أجزاء صغيرة لدرجة أني لم ألاحظها في بادئ الأمر وهي تتسلل مني تاركه ورائها فراغ لا يندثر ، ومرة تلو الأخرى تغدو الأجزاء الصغيرة أكبر حجماً كلما زاد عدد الذين ذهبوا وتركوني ورائهم ، 
لأصبح شخصا غير مكتمل الأجزاء ، شخصاً ناقصا ، نقصاً لا يلاحظه من هم حولي ، فقط الذين ذهبوا هم القادرون على رؤيته .
 لأنه وفي كل مرة يسقط جزء مني ، يسقط من تلك  الأماكن التي اعتادت على حملهم ومراعاتهم ، الأماكن التي ما إن مكثوا بها  حتى أصبحت مسكنهم ، ولا يتسنى لهم رؤية أجزائي الفارغة لأنهم ببساطه ما إن اجتازوا هذه البوابات  لا يعودون أبدا .

في كل مرة أحاول التلصص من فقدان أجزائي ، أحاول الهرب حتى أحافظ على ما تبقى مني ، لا أعلم ما سأغدو عليه عند تكراري لهذا الأمر لكني أدرك جيداً بأنه سيأتي يوما ما ويتساقط فيه الجزء الأخير مني ، لأختفي بعدها  ربما تتلقفني جزيئات الهواء وأتبخر ،
أو ربما يلقى بالجزء الأخير مني على الأرصفة الرطبة ولا يلقى له بالاً.

أذهب إلى هذا المكان أقول حسناً ، أنه الشخص الأخير الذي سأودعه ، لن أودع شخصاً آخر لن أحب شخصاً آخر بإمكانه المغادرة .
لن أسمح  بتساقطي المستمر على طرقات هذه الأبواب الملعونة  ، لن أسمح باختفائي وتبخري أو حتى نسياني  على الأرصفة .

أو أنني ربما سأتوقف عن  حب الأشخاص من حولي  بنفس هذه الطريقة المؤذية  ،  يجب علي أن أضع في الحسبان  دائماً بأنهم سيذهبون حتى في أجمل لحظاتنا معاً سأقول في داخلي بأنه سيذهب ، عندما نتبادل القبل والأحضان والموسيقى العذبة ، سأقول في منتصف الشعور الجميل بأن هذا الشخص أيضاً سيتركني ويرحل .
 لن أحب أحداً بصورة غير طبيعية ، هذه الصورة التي ستتسبب في اختفائي ونسياني  يوماً ما ، لن أسمح لقلبي بأن يبالغ في مشاعرة 
،  أو ليس المتسبب الكبير في تساقطي هو قلبي ؟
 

أعلم وأنه من المفترض أن شخصاً عاصر العديد من تجارب الوداع على أبواب صالات المطار المختلفة الأماكن والألوان ، من المفترض أنه يكون قد أكتسب مناعة ضد هذا الأمر ، وان الوداع سيكون "مثل شرب الماء" كما تقول جدتي ، لكنني لم أعتد على ذلك .
في كل مرة أزداد هشاشة وأعيد تكرار الأسئلة نفسها  بسذاجة طفلة ، لماذا كل الأشياء التي أحبها تغادرني ؟ ، لماذا لا أعيش في مكان لا يذهب فيه أحد ويتركني ؟،
في كل مرة أعيد تكرار نفس هذه الأسئلة أقطع وعداً في داخلي بأني لن أحب شخصاً سيغادر وفي كل مرة أنقض عهدي لأنني وبكل بساطة إنسان ساذج ، أو ليس المغزى الوحيد من كوننا على هذه الأرض هو المغادرة ؟.

No comments